تتعامل مصر مع سقوط الفاشر في دارفور على يد قوات الدعم السريع كضربة تتجاوز حدود السودان. يكتب مراسلو ميدل إيست آي من القاهرة ولندن وأنقرة عن لحظة أعادت رسم خرائط الأمن الإقليمي، بعدما صعّدت قوات الدعم السريع انتهاكاتها بحق سكان المدينة ودفعت القاهرة إلى التعامل مع حدودها الجنوبية كخط دفاع أول.

 

يشير الكُتّاب إلى أنّ ميدل إيست آي تتبّعت عبر دبلوماسيين سودانيين ومسؤولين مصريين التحرك العاجل للقاهرة، التي تخشى امتداد الحرب إلى أراضيها، خصوصًا بعد استيلاء الدعم السريع على المثلث الحدودي الصحراوي بين مصر وليبيا والسودان خلال يونيو الماضي.

 

إعادة رسم حسابات القاهرة

 

يعيد السقوط السريع للفاشر تعريف موقع الحرب. يرتبط الجيش السوداني بعلاقة ممتدة مع المؤسسة العسكرية المصرية، وقدمت القاهرة دعمًا متواصلاً له منذ اندلاع الصراع مع قوات الدعم السريع في أبريل 2023. غير أنّ السيطرة على الفاشر والمناطق الحدودية المحيطة بها دفعت مصر إلى إعادة بناء تصورها الأمني، فتعزيزات الجيش المصري تحرّكت بهدوء نحو الحدود، وبدأ تنسيق مكثف مع الجيش السوداني لمنع تمدد الدعم السريع شمالًا.

 

يكشف مصدر عسكري مصري رفيع لـ ميدل إيست آي أنّ الجيشين المصري والسوداني ينسّقان لإنشاء قيادة مشتركة تردع أي محاولة تسلل عبر الحدود مع السودان أو ليبيا. ويتزامن ذلك مع تحرك لافت لرئيس أركان الجيش المصري، الفريق أحمد فتحي، الذي زار السعودية ثم بورسودان خلال 24 ساعة، حيث ناقش خططًا عملياتية مشتركة على الحدود.

 

يضيف المصدر أنّ الزيارة فتحت الطريق لإنشاء غرفة عمليات مشتركة في شمال كردفان وتزويد الجيش السوداني بأنظمة إنذار مبكر، خصوصًا مع سقوط مدينة بارا بيد الدعم السريع بالتزامن مع معركة الفاشر.

 

تكثيف الدعم العسكري المصري والتركي

 

يُجمع مسؤولون مصريون وسودانيون على أنّ الجيش السوداني يلاحق دعمًا أكبر بعد خسائره، بينما تخشى القاهرة اقتراب قوات الدعم السريع من أم درمان. ويشرح مصدر عسكري مصري أنّ الجيش المصري يزوّد السودان بإرشاد عملياتي وتسليح محدود، ويراقب تحركات الدعم السريع عبر طلعات جوية داخل المجال المصري، تحسبًا لأي اختراق. ويحذر المصدر من أنّ تأخر الرد على تحركات الدعم السريع يهدد أمن الحدود مباشرة.

 

في الوقت ذاته، تتوسع أنقرة في دعم الجيش السوداني في خطوة نادرة لتلاقي المصالح المصرية التركية. يوضح مصدر أمني مصري رفيع أنّ البلدين نسّقا دعمًا أكبر للجيش السوداني بهدف وقف تمدد الدعم السريع واستعادة السيطرة على دارفور. ويؤكد مصدر تركي مطلع أنّ تركيا كانت تخطط لإرسال أنظمة إضافية، وأن "فظائع الفاشر عززت التصميم" على زيادة الدعم، خصوصًا مع استمرار تشغيل الطائرات المسيّرة التركية داخل السودان.

 

دور الإمارات وتعقيد المشهد السوداني

 

ترصد تقارير ميدل إيست آي دور الإمارات في الحرب، رغم النفي الرسمي. تُظهر بيانات الأقمار الصناعية، وتتبع السفن، وأرقام الأسلحة، وقصص مصادر متعددة، أنّ أبوظبي زوّدت قوات الدعم السريع بالسلاح طوال الحرب عبر مسارات تمتد من بوساسو في الصومال إلى قواعد في ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وأوغندا، وصولًا إلى قاعدتين داخل السودان؛ إحداهما في نيالا والأخرى قرب الفاشر.

 

استفاد الدعم السريع من هذه الشبكات، مستندًا إلى علاقته الممتدة مع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، الذي راكم ثروة كبيرة مستندة إلى تجارة الذهب والأراضي الزراعية، وسبق أن قدّم أربعين ألف مقاتل لتحالف الإمارات في اليمن قبل سنوات. وتربك هذه العلاقات القاهرة، خاصة مع اعتماد اقتصادها على الدعم المالي الإماراتي.

 

احتمالات توسع الحرب ودور القاهرة الجديد

 

تشير التحليلات إلى أنّ سقوط الفاشر يشطر دارفور فعليًا، ويعزز سيطرة الدعم السريع على مسارات التجارة والتهريب باتجاه ليبيا وتشاد. وتخاف القاهرة من سيطرة غير منضبطة على طرق تهريب الذهب التي استفادت منها خلال سنوات الحرب.

 

وترى مصادر سياسية في القاهرة أنّ اتساع نفوذ الدعم السريع يخلق فراغات قد تستغلها جماعات مسلحة، ما يدفع مصر إلى تجاوز دور "الوسيط" الذي تحبه إلى دور عسكري أكثر مباشرة. وتزداد الضغوط على القاهرة بعدما تعثرت مفاوضات وقف إطلاق النار في واشنطن، خصوصًا مع مشاركة قادة من الدعم السريع خاضعين لعقوبات أمريكية.

 

نحو تصعيد جديد في كردفان ودارفور

 

يستعد الجيش المصري والسوداني لإنشاء غرفة عمليات أخرى في الأبيض، شمال كردفان، للحد من تمدد الدعم السريع واستعادة البلدات التي خسرها الجيش. ويؤكد مصدر أمني رفيع أنّ الغرفة الجديدة ستوفر للجيش السوداني قدرة فعلية على استعادة تموضعه في المناطق التي فقدها، مما يتيح استقرارًا نسبيًا لدارفور والمحيط الإقليمي.

 

بهذا المشهد المعقّد، يواجه الإقليم احتمال انزلاق السودان نحو انقسام فعلي، بينما يصوغ المثلث المصري–السوداني–التركي معادلة جديدة تحاول احتواء الحرب من دون انفجار أوسع في المنطقة.

 

https://www.middleeasteye.net/news/egypt-and-turkey-move-support-saf-following-fall-el-fasher